الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى في ذلك: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً [الأحزاب:37].
فالله تعالى يخبر في هذه الآية عن مقالة نبيه صلى الله عليه وسلم لمولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه، وهو الذي أنعم الله عليه بالإسلام وبالقرب من رسوله صلى الله عليه وسلم، والذي أنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق والتربية والحب، ذلك الحب الذي كان عظيماً في قلب النبي صلى الله عليه وسلم حتى صار زيد يدعى بالحِب، ويقال لابنه أسامة: الحِب بن الحِب.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوج زيد بن حارثة رضي الله عنه الذي كان قد تبناه قبل النبوة، بابنة عمته زينب بنت جحش رضي الله عنها، وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم.
فمكثت عنده قريباً من سنة أو فوقها، وكان زيد يشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من تعاظمها وشدة لسانها عليه، ويخبره بعزمه على تطليقها، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتقي الله ولا يطلقها، مع علمه صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي أن زيداً سيطلقها، وأنه عليه الصلاة والسلام سيتزوجها.
روى البخاري في صحيحه عن أنس قال: جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اتق الله وأمسك عليك زوجك، قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً لكتم هذه الآية، قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات.
وقوله تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ [الأحزاب:37].
معناه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخفى في نفسه ما أخبره الله به من أن زيداً سيطلق زينب، وأنه صلى الله عليه وسلم سيتزوجها، فقال لزيد: اتق الله وأمسك عليك زوجك. مع علمه بما ذكرنا.
قال أبو بكر بن العربي: إنما قال عليه الصلاة والسلام لزيد أمسك عليك زوجك، اختباراً لما عنده من الرغبة فيها أو عنها، فلما أطلعه زيد على ما عنده منها من النفرة التي نشأت من تعاظمها عليه أذن له في طلاقها.
والدليل على أن ما أخفاه النبي صلى الله عليه وسلم، في نفسه هو إخبار الله له بأنه سيتزوج زينب بعد أن يطلقها زيد، هو قوله تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ [الأحزاب:37].
فإن الذي أبداه الله تعالى هو زواج النبي صلى الله عليه وسلم إياها، وذلك في قوله تعالى: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا
ومعنى قوله تعالى: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخشى أن يقول الناس: تزوج امرأة ابنه.
ولما طلقها زيد باختياره لأنه قضى وطره منها ولم تعد له بها حاجة، زوجها الله نبيه صلى الله عليه وسلم.
والحكمة الإلهية من ذلك هي قطع تحريم أزواج الأدعياء أي المتبنين بعد إبطال التبني نفسه، وهذا صريح في قوله تعالى: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً
قال القرطبي في تفسيره بعد أن أورد تفسير هذه الآية على نحو ما ذكرناه: وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين