لقد جرت سنة الله تعالى على أن يخلق من الرجال من هم استثنائيون كالأنبياء، حيث يخلقهم بشكل مختلف كما فعل بالنسبة إلى آدم وعيسى بن مريم أو يتدخل في شؤونهم ويحافظ على وجودهم مثل موسى بن عمران. وكما في الرجال كذلك في النساء فقد اختار الله مريم لتكون سيدة نساء زمانها. فكان رب العباد يطعمها كما يقول القرآن الكريم: (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (آل عمران: 37).
وإذا كان الله تعالى (يتقبل) مريم وينبتها نباتاً حسناً وهي سيدة نساء زمانها فكيف بمن أرادها الله تعالى لتكون سيدة نساء العالمين؟
لقد خلق الله فاطمة(عليها السلام) لتؤدي دوراً إلهياً وتكون سيدة النساء، ونموذجاً للمؤمنين والمؤمنات في الحياة الدنيا..
ولولا أن فاطمة (عليها السلام) امرأة استثنائية لما جعل الله رضاه معلقاً على رضاها وغضبه كذلك معلقاً على غضب فاطمة (عليها السلام) كما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (رضا الله من رضاها وغضبه من غضبها).
إذا فاطمة (عليها السلام) ليست امرأة عادية بل هي استثنائية وتنبع هذه الاستثنائية من عوامل عديدة منها:
1 ـ أنها (عليها السلام) كانت وحيدة رسول الله (ص) بعد أن فقد الأولاد واحداً بعد واحد.
2ـ شخصيتها الفريدة، فمن تتبع أخبارها تبدو له فاطمة (عليها السلام) ذات شخصية متفوقة، وذكاء فطري عظيم، وحسن تفهم للأمور، وتحمل للشدائد، وإدراك لظروف المجتمع الذي تعيش فيه.
3ـ وقوفها (عليها السلام) إلى جنب أبيها في مطلع الدعوة وهي لم تزل صغيرة السن لا وقوف الفتاة اليتيمة التي فقدت أمها فأصبحت عبئاً على أبيها كما يحدث في مثل هذه الحالات. بل وقوف الفتاة التي تدرك ظروف أبيها وتعلم خطر الرسالة التي يدعو إليها، وتعرف ما يحيط به من شدائد وأهوال وعداوات وما يحتاج إليه من مخلصين ومناضلين أكفاء، يشاركونه حمل الأعباء الضخمة التي بات يحملها.
يقول ابن أبي الحديد: (أكرم رسول الله (ص) فاطمة إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنونه وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم، حتى خرج بها عن حد حب الآباء للأولاد، فقال لمحضر الخاص والعام مراراً لا مرة واحدة، وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد: ((إنها سيدة نساء العالمين، وإنها عديلة مريم بنت عمران، وإنها إذا مرت في الموقف نادى مناد من جهة العرش: يا أهل الموقف غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد)). وهذا من الأحاديث الصحيحة وليس من الأخبار الضعيفة. وإن تزويجها علياً ما كان إلا بعد أن زوجها الله تعالى إياها في السماء بشهادة الملائكة، وكم قال لا مرة: (يؤذيني ما يؤذيها، ويغضبني ما يغضبها، وإنها بضعة مني يريبني مارابها)(1).
ونحاول هنا ومن خلال هذه الوريقات أن نحدد الكلام في مسالتين في غاية الأهمية من جهة الإعجاز وإنها لا تأتي إلا في إطار من أراد الله تعالى إكرامه وتفضيله وتمييزه وبيان ذلك للناس كي يتخذوه قدوة وأسوة والمسألتين هما ولادة الزهراء وزواجها (عليها السلام) إذ إنهما أمران يحدثان مع كل إنسان لكنهما اختلفا وتميزا وبشكل لافت مع السيدة الزهراء (عليها السلام) وما هو إلا أمر إلهي فيه الكثير من الدلالات والمقاصد، ومن هنا ارتأينا أن يكون الكلام في هاتين المسألتين بالتحديد.
المولد المبارك
يا محمد لا تذهب إلى بيتك الذي توجد فيه زوجتك خديجة بنت خويلد أربعين صباحاً .. هذا ما جاء به الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من العلي الأعلى.
التزم النبي الأكرم بذلك الأمر لأنه يعلم أنه من أجل شيء عظيم فيه الخير وذهب إلى فاطمة بنت أسد والدة الإمام علي (عليه السلام).
ومع مرور الأيام اشتاقت السيدة الطاهرة إلى رؤية زوجها النبي العظيم، واشتاق هو إلى رؤيتها.
وكان النبي يصوم النهار ويقوم الليل، فلما كان في كمال الأربعين، هبط جبريل بطبق من السماء مغطى بمنديل قال للنبي: (إن الله عز وجل يأمرك أن تجعل إفطارك هذه الليلة من هذا الطعام).
هكذا كانت مقدمات تكّون (فاطمة الزهراء) لأن الله شاء أن تخلق من طعام الجنة بذلك الترتيب الإلهي).
وبعد الحمل المبارك دخل رسول الله يوماً فسمع خديجة تتحدث، فقال لها: (يا خديجة من تحدثين قالت؟ الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني قال: يا خديجة هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى وانها النسلة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمة ويجعله خلفاءه في أرضه بعد إنقضاء وحيه).
فلم تزل السيدة خديجة على هذه الحالة إلى أن حان وقت الولادة.
فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالين لتلين مني ماتلي النساء من النساء. فأرسلن إليها: أنت عصيتنا، ولم تقبلي بقولنا، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له.
ولم يلبوا طلبها فاغتمت خديجة لذلك، وبينما هي حزينة إذ دخل عليها أربع نسوة ففزعت منهن، فقالت احداهن: (لا تحزني يا خديجة، فإنا رسل ربك إليك ونحن أخواتك، أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران وهذه كلثم أخت موسى بن عمران بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء).
فجلست واحدة عن يمينها وأخرى عن يسارها والثالثة بين يديها والرابعة من خلفها.
فولدت السيدة خديجة النور الساطع والبدر اللامع فاطمة الزهراء (عليها السلام).
ولما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيت مكة.
ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور.
ودخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طشت وإبريق من الجنة، وفي الابريق ماء من الكوثر، فغسلت إحدى النساء الزهراء بماء الكوثر وأخرجت خرقتين أشد بياضاً من اللبن وأطيب ريحاً من المسك والعنبر، فلفتها بواحدة وقنعتها بالثانية، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة بالشهادتين، وتباشرت الحور العين وبشر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك.
وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة زكية ميمونة بورك فيها وفي نسلها.
ولقد رأت السيدة خديجة في وليدتها فاطمة أنها صورة من أبيها العظيم فسرها ذلك الشبه الكبير وشكرت الله تعالى على نعمه وفضله.
قرآن في السماء
لقد خطب فاطمة (عليها السلام) الكبار من المهاجرين كأبي بكر وعمر والكثير من شباب الأنصار فردّهم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ينتظر من يكون كفؤاً لها وهي بهذا المقدار من العلم والشرف والعبادة والأخلاق فهو يعمل أن لا كفؤاً لها إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام) لمعرفته إياه حق المعرفة يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (لولا الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين (عليه السلام) لفاطمة ما كان لها كفؤ على وجه الأرض) فلو كانت الكفاءة بالنسب فما أكثر أبناء عم النبي (ص)، ولو كانت الكفاءة في هذا الجانب في الإسلام فما أكثر المسلمين، ولكن هناك سر في الإمام علي (عليه السلام) وسر في فاطمة (عليها السلام) لا يعلمه إلا الله فهو شيء من غيبه، ولكن هناك شيئ يلتقي به علي بفاطمة وهو أنهما عاشا معاً مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) علماً وروحاً وأخلاقاً بما لم يحظ به أي صحابي أو صحابية، لأن علياً وفاطمة (عليهما السلام) كانا معه في الليل وفي النهار، وكان (صلى الله عليه وآله) يعمل ليربيهما على صورته استجابة لنداء الله (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) وعندما انكفأت عنه عشيرته كان أقرب عشيرة إليه إيماناً وروحاً علي وفاطمة.
لهذا كله كان النبي (صلى الله عليه وآله) ينتظر أن يتقدم علياً (عليه السلام) لخطبتها، ولم يمنع علياً من ذلك سوى حالته المادية البسيطة والحياء من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكذلك علمه بأن الرسول (صلى الله عليه وآله) ينتظر أمر الله فيها، فلا يريد أن يتحدى الوحي الإلهي إلى أن هبط جبرائيل من السماء وهو يقول للرسول الكريم (صلى الله عليه وآله): (إن الله يأمرك أن تزوج فاطمة من علي)(2).
عندئذ ذهب علي (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فسلم على الرسول (صلى الله عليه وآله) فجلس ينظر إلى الأرض حياءً فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) ما حاجتك.. فكل حاجة لك مقضية فقال: يا رسول الله غذيتني بغذائك وأدبتني بأدبك وقد أحببت أن يكون لي بيت أسكن إليه وقد أتيتك خاطباً لفاطمة فهل أنت مزوجني يا رسول الله.
فتهلل وجه الرسول (صلى الله عليه وآله) فرحاً مسروراً ثم تبسم لعلي قائلاًً: فهل معك شيء أزوجك به؟
فقال علي (عليه السلام): فداك أبي وأمي: ما يخفى عليك أمري، لا أملك إلا سيفي ودرعي وبعيري فقال رسول الله: أما سيفك فهو الذي تجاهد به في سبيل الله وأما بعيرك فتحمل عليه رحلك في سفرك وتروي به نخلك ولكني قد زوجتك بالدرع ورضيت بها منك مهراً.. يا علي أبشر أن الله قد زوجك فاطمة في السماء قبل أن أزوجك في الأرض.. فاستبشر علي (عليه السلام) بما سمعه وذهب إلى السوق فباع درعه بأربعمائة درهم اشترى بها فراشاً من نسيج تلف الكتان محشواً بالصوف ووسادة من جلد حشوها من ليف النخل وعباءة خيبرية وقربة ماءٍ وجراراً حملها بلالٌ وسلمان إلى رسول الله.
لقد ضربت الزهراء (عليها السلام) المثل الأعلى بزواجها من خلال مواقفها فأعطت بذلك دروساً بليغة للمرأة المسلمة. فرغم أنها بنت سيدة المرسلين وخيرة النساء إلا أن مهرها كان متواضعاً بحيث استطاعوا به تجهيز بيت الزوجية بكل باليسير والمتواضع من الحاجات في وقت كان بالإمكان تجهيزه بالغالي والنفيس من الديباج والحرير والرخام والعاج والجواهر والدرر. ولكن أبت بنت الرسالة إلا أن يكون زواجها نموذجاً لباقي النساء، فهي تتزوج علياً ليس لماله وثروته بل لدينه وإخلاصه ومبادئه لأن الزواج في عرف الإسلام رابطة روحية إنسانية تتعالى على المادة والحاجات التافهة.
الزواج الميمون
قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلياً (عليه السلام) عند التجهيز للعرس: يا علي أصنع لأهلك طعاماً وادعوا إليه. فدعى كل من في المسجد قائلاً أجيبوا إلى وليمة فاطمة بنت محمد فاقبل الناس وهم أكثر من أربعة آلاف رجل وسائر نساء المدينة فلم ينقص من الطعام شيء فوزعه رسول الله بالصحاف (وهي الآنية الكبيرة) على منازل أزواجه ثم أخذ منه لفاطمة وبعلها، وأمر بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة (عليها السلام) يكبرن ويهزجن بالصلوات وأخذ بيدها رسول الله وأركبها على ناقته وأخذ سلمان زمام الناقة والنبي وحمزة وعقيل وجعفر وسائر أهل البيت يمشون خلفها مشهرين سيوفهم ونساء النبي أمامها يرجزن بالأشعار.. ولما وصلوا بيت علي (عليه السلام) دعا رسول الله فاطمة فأخذ بيدها ووضعها في يد علي وقال:
نعم الزوجة فاطمة ونعم الزوج علي.
ثم قال: يا علي هذه فاطمة وديعتي عندك.
ثم قال (صلى الله عليه وآله) لها: يا بنية إعلمي أنني زوجتك أقدمهم إسلاماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حُلماً يا بنية إن الله أطلع على أهل الأرض فاختار من أهلها رجلين فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك.
ثم ودعهما (صلى الله عليه وآله) بقوله:
طهركما الله وطهر نسلكما انا سلمُ لمن سالمكما وحرب لمن حاربكما استودعكما الله واستخلفه عليكما.. فتهلل وجها علي وفاطمة (عليهما السلام) وخرج من بيتهما رسول الله مستبشراً فرحاً بإتمام عرسهما في الأرض بعدما عُقد قرانهما في السماء بأمر الله بين تهاليل الملائكة وتسبيحهم.
حياتها الزوجية
يروى عن الإمام علي (عليه السلام) يصف حياته مع فاطمة (عليها السلام): فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها من بعد ذلك على أمر حتى قبضتها الله عز وجل إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً ولقد كنت أنظر إليها فتنجلي عني الغموم والأحزان بنظرتي إليها.
ما أروع الحياة الزوجية إذا حصل الانسجام بين الزوجين في الاتجاه والمبدأ ونوعية التفكير مبنياً على أساس التقدير والاحترام من الجانبين. وهذا ما حصل في حياة علي وفاطمة (عليهما السلام) حيث كانا يعيشان في جو تحيطه القداسة والنزاهة، وعظمة الزهد وبساطة العيش.
لقد كانت فاطمة (عليها السلام) تعرف أن زوجها مكانته العظمى ومنزلته العليا عند الله تعالى، وتحترمه كما تحترم المرأة المسلمة إمامها، بل اكثر حيث كانت فاطمة (عليها السلام) عارفة بحق علي حق معرفته، وتقدره حق قدره، وتطيعه كما ينبغي لأنه أعز الخلق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله). وهكذا كان علي (عليه السلام) يحترم فاطمة (عليها السلام) احتراماً لائقاً بها لا لأنها زوجته فقط بل لأنها أحب الخلق إلى رسول الله، ولأنها سيدة نساء العالمين، ولأن نورها من نور رسول الله.
وهكذا عاشت الزهراء (عليها السلام) مع عظم منزلتها وقدرها وشرف نسبها لم تميز نفسها عن أية زوجة مسلمة مع زوجها من خلال أنها ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد كانت مسلمة كأفضل ما تكون المسلمات في مسؤولياتها الزوجية، كانت تطحن وتعجن وتخبز، روي عن علي (عليه السلام) قال: دخل علينا رسول (صلى الله عليه وآله) وفاطمة جالسة عند القدر وأنا أُنقّي العدس، قال: يا أبا الحسن، قلت: لبيك يا رسول الله. قال: اسمع مني، وما أقول إلا من أمر بي: ما من رجل يعين امرأته في بيتها إلا كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة، صيام نهارها، وقيام ليلها..)(3).
وهذا المشهد العائلي الرائع يوضح لنا صور الحياة التعاونية في علاقة الرجل بالمرأة وعظمة التواضع عند قادة الإسلام، فلقد خبر الزوجان الحياة وعرفاها جهاداً وكفاحاً وتيقنا بأن العمل شرف وجهاد فعمل علي (عليه السلام) لكسب القوت والطعام وكدحت فاطمة (عليها السلام) في بيتها من اجل زوجها وأولادها بكل إخلاص ورضى، ضاربة بذلك مثلاً عن تواضع القيادة وتعودها على العيش بمستوى الطبقات الفقيرة، ففاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) لا فرق بينها وبين غيرها إلا بالتقوى.
أما الأولاد فكانت تنصرف إليهم فتغذيهم بالقيم وتعلمهم مفاهيم الرسالة وأخلاق النبي لينشأوا أُباة لا يخضعون لظلم ولا يكسلون عن النهوض في وجه الكفر والانحراف، ولقد رأوا أُماً تشع إيماناً وروحانية قائمة ليلها صائمة نهارها تدعو للآخرين دون نفسها، فسألها ذات مرة ولدها الحسن عن ذلك فقالت: (يا بني الجار ثم الدار)، إذ كانت (عليه السلام) تقول في المهمات: (سبحان من تواضع كل شيء لعظمته، سبحانه من انقادت له الأمور بأزمتها، الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه، الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه..).
توجه منقطع، ولكنه لم يمنعها من رعاية البيت والأولاد والزوج حتى رآها أبوها المصطفى (صلى الله عليه وآله) وعليها كساء من أجلّة الإبل، وهي تطحن بيدها وترضع ولدها، فدمعت عيناه وقال لها: يا بنتاه تجرّعي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة).
لقد تحدث رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بمقام فاطمة وزوجها وولديها (عليهم السلام) وما كان هذا الحديث إلا ترديداً لصدى الوحي وصياغة لمضمون القرآن الذي شهد له بالطهارة وسمو المقام العديد من الآيات منها آية التطهير وآية المودة وآية المباهلة وسورة الإنسان وغيرها. ولقد كانت فاطمة (عليها السلام) خير أمٍ لأبنائها ترعاهم أحسن رعاية وتفيض عليهم من حنانها وتغذيهم بالمثل والأخلاق التي نشأت عليها.
لقد مثلت الزهراء (عليها السلام) مثالاً سامقاً للمرأة المسلمة، فهي بنت بارّة بأبيها، ساعية في خدمته، لم تعصه في أمر أو طلب، وهي (عليها السلام) زوجة وفية مخلصة، بذلت عصارة شبابها من أجل إعانة زوجها الذي وظف عمره الشريف ونذر حياته المجاهدة لخدمة الإسلام، وهي أم حنون ومربية هادية أنشأت نماذج من الطهر والنبل، ظلوا على مدى الدهر هداة إلى نور الله.. وهي بعد القدوة المثلى في الصبر على المحن، والهداية إلى طريق الحق والفضيلة.
لقد كانت الزهراء نبراساً لكل امرأة تريد أن تسلك سبيل الخير والرشاد، وكانت ولا تزال مدرسة شامخة تتخرج فيها طالبات العلم ومكارم الأخلاق وأصول التربية. فهنيئاً لمن تهتدي بهداها، والسلام على كل متأسية بالبتول الزهراء (عليها السلام) من أجل الإسلام العزيز